كتاب: فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير **

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير **


أخذ من الحديث أن الحائض والنفساء تثاب على ترك الصلاة في زمن الحيض قياساً على المريض والمسافر وردّ بالفرق بإن المريض أو المسافر كان يفعلها بنية الدوام مع أهليته لها والحائض غير ذلك بل نيتها ترك الصلاة في وقت الحيض بل تحرم عليها نية الصلاة زمن الحيض وإن كانت لا تقضيها‏.‏

- ‏(‏حم خ‏)‏ في الجهاد ‏(‏عن أبي موسى‏)‏ الأشعري

865 - ‏(‏إذا مرض العبد‏)‏ المؤمن ‏(‏ثلاثة أيام‏)‏ ولو مرضاً خفيفاً كحمى يسيرة وقليل صداع على ما اقتضاه إطلاقه لكن استبعد العراقي تكفير ذلك لجميع الصغائر ‏(‏خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه‏)‏ أي غفر له فصار لا ذنب عليه فهو كيوم ولادته في خلوه عن الآنام وذلك أن المريض كان توسخ وتدنست طينته والرحمة مع ذلك تكتنفه فداواه الله وشفاه بما سلط عليه كما تداوي الأم ولدها، وظاهر الخبر وما أشبهه ترتب التكفير على مجرد المرض هبه انضم له صبر أم لا، واشتراط القرطبي حصوله منع بأنه لا دليل عليه، واحتجاجه بوقوع التقييد بالصبر في أخبار غير ناقض لأن ما يصح منها مقيد بثواب مخصوص فيها فاعتبر فيها الصبر لحصوله ولن تجد حديثاً صحيحاً ترتب فيه مطلق التكفير على مطلق المرض مع اعتبار الصبر، أفاده الحافظ العراقي، قال‏:‏ وقد اعتبرت الأحاديث في ذلك فتحرير لي ما ذكرته‏.‏

- ‏(‏طس وأبو الشيخ ‏[‏ابن حبان‏]‏‏)‏ ابن حبان في الثواب ‏(‏عن ‏[‏ص 445‏]‏ أنس‏)‏ قال العراقي‏:‏ فيه إبراهيم بن الحكم متروك‏.‏ وقال الهيتمي‏:‏ حديث ضعيف جداً‏.‏

866 - ‏(‏إذا مرض العبد‏)‏ المسلم ‏(‏يقال‏)‏ بالبناء للمفعول والفاعل الله بواسطة أو بغيرها ‏(‏لصاحب الشمال‏)‏ أي الملك الموكل بكتابة المعاصي ‏(‏ارفع عنه القلم‏)‏ فلا تكتب عليه الصغائر، أو ارفعه ست ساعات كما في خبر آخر، أو ارفعه عنه تخفيفاً ‏(‏ويقال لصاحب اليمين‏)‏ كاتب الحسنات ‏(‏اكتب له‏)‏ ما دام مريضاً ‏(‏أحسن ما كان يعمل‏)‏ من العمل الصالح ‏(‏فإني أعلم به‏)‏ أي أعلم بحاله وأنه لو استمر صحيحاً لم يزل على ما وظفه على نفسه من الطاعة ‏(‏وأنا قيدته‏)‏ بالمرض فلا تقصير منه‏.‏ قال الطيبي‏:‏ معنى كتابته أنه يقدر له من العمل ما كان يعمل صحيحاً، وإطلاق التكفير في هذا الخبر وما قبله مقيد بقول الخبر الآتي‏:‏ ما اجتنبت الكبائر‏.‏

- ‏(‏ابن عساكر‏)‏ في تاريخه ‏(‏عن مكحول‏)‏ ففيه الشام ‏(‏مرسلاً‏)‏ أرسل عن أبي هريرة وغيره‏.‏

867 - ‏(‏إذا مشت أمتي المطيطا‏)‏ أي تبختروا في مشيتهم عجباً واستكباراً، والمطيطا بضم الميم وفتح الطاء، قال الزمخشري‏:‏ ممدودة ومقصورة بمعنى التمطي وهو التبختر ومد اليدين‏.‏ وأصل التمطي من نمطط بوزان تفعل وهو المد وهي من المصغرات التي لم يستعمل لها مكبر، وفي الإحياء عن ابن الأعرابي‏:‏ المطيطا مشية فيها اختيال وقال القاضي‏:‏ المطيطا بضم الميم وفتح الطاء مقصورة وممدودة مشية فيها تبختر ومد اليدين من مطه أي مده، وكذا التمطي ‏(‏وخدمها أبناء الملوك أبناء فارس والروم‏)‏ بدل مما قبله ‏(‏سلط‏)‏ بالبناء للمفعول ‏(‏شرارها‏)‏ أي الأمة ‏(‏على خيارها‏)‏ أي مكنهم الله منهم وأغراهم بهم، ونكتة حذف الفاعل لاتخفى، وإنما كان ذلك سبباً للتسلط المذكور لما فيه من التكبر والعجب وما يترتب على استخدام أبنائهم من إتيانهم في أدبارهم قالوا وذا من دلائل نبوته فإنه إخبار عن غيب وقع فإنهم لما فتحوا بلاد فارس والروم وأخذوا مالهم واستخدموا أولادهم سلط عليهم قتلة عثمان فقتلوه ثم سلط بني أمية على بني هاشم ففعلوا ما فعلوا‏.‏

- ‏(‏ت‏)‏ في الفتن ‏(‏عن ابن عمر‏)‏ وقال غريب وفيه زيد بن الحباب قال في الكاشف قد وهم وموسى بن عبيد ضعفوه وعبد الله بن دينار غير قوي رواه الطبراني عن أبي هريرة لكنه قال سلط بعضهم على بعض‏.‏ قال الهيتمي وإسناده حسن‏.‏

868 - ‏(‏إذا نادى المنادى‏)‏ أي أذن المؤذن للصلاة أية صلاة كانت ‏(‏فتحت أبواب السماء واستجيب الدعاء‏)‏ ما دام المؤذن فالفتح كناية عن رفع الحجب وإزالة الموانع وتلقي الدعاء بالقبول، وللحديث تتمة وهي‏:‏ فمن نزل به كرب أو شدة فليتحين المنادي‏:‏ أي ينتظر وقت أذانه فإذا كبر كبر وإذا تشهد تشهد وإذا قال حي على الصلاة قال حي على الصلاة، وإذا قال حي على الفلاح قال حي على الفلاح ثم يقول‏:‏ اللهم رب هذه الدعوة التامة الصادقة الحق المستجابة المستجاب لها دعوة الحق وكلمة التقوى أحينا عليها وأمتنا عليها وابعثنا عليها واجعلنا من خيار أهلها محيانا ومماتنا ثم يسأل الله حاجته‏.‏

- ‏(‏ع ك عن أبي أمامة‏)‏ الباهلي رضي الله عنه، زاد في الكبير وتعقب‏.‏

‏[‏ص 446‏]‏ 869 - ‏(‏إذا نزل الرجل بقوم‏)‏ ضيفاً أو مدعواً في وليمة ‏(‏فلا يصم إلا بإذنهم‏)‏ أي لا يشرع ندباً في الصوم نفلاً إلا بإذنهم، أو لا يتم ذلك اليوم الذي شرع فيه إلا إن أذنوا له، ففيه أنه بندب للضيف أن يفطر من النفل ولو مؤكداً أي إن شق على المضيف أما الفرض ولو موسعاً فيحرم الخروج منه‏.‏

- ‏(‏ه عن عائشة‏)‏ رمز لضعفه وهو كذلك فقد قال البيهقي‏:‏ إسناده مظلم‏.‏

870 - ‏(‏إذا نزل أحدكم منزلاً‏)‏ في سفر أو غير ذلك لكن قرينة الارتحال الآتي يشير إلى أن الكلام في السفر وعليه فيقاس به الحضر ‏(‏فقال فيه‏)‏ أي نام نصف النهار، والقائلة وقت القيلولة وقد يطلق على القيلولة ‏(‏فلا يرحل‏)‏ منه ‏(‏حتى يصلي‏)‏ فيه ‏(‏ركعتين‏)‏ أي يندب له أن يودعه بذلك لتشهد له البقاع وهكذا كان المصطفى صلى الله عليه وسلم يفعل فكان لا يرتحل حتى يصلي ركعتين، وظاهر الحديث أن ذلك خاص بالنزول للقيلولة وليس مراداً بل إذا نزل منزلاً في أي وقت كان وأراد الرحيل فيودعه بركعتين‏.‏

- ‏(‏عد عن أبي هريرة‏)‏

871 - ‏(‏إذا نزل بكم‏)‏ يا بني عبد المطلب ‏(‏كرب‏)‏ أي أمر يملأ الصدر غيظاً، والكرب الغم الذي يأخذ بالنفس ‏(‏أو جهد‏)‏ بفتح الجيم، تضم مشقة ‏(‏أو بلاء‏)‏ أي هم تخدش به النفوس ‏(‏فقولوا‏)‏ ندباً ‏(‏الله الله‏)‏ بفتح الهمزة وضم هاء الجلالة مبتدأ والخبر قوله ‏(‏ربنا‏)‏ المحسن إلينا بصنوف الإحسان والإنعام ‏(‏لا شريك‏)‏ أي لا مشارك ‏(‏له‏)‏ في ربوبيته فإن ذلك يزيله بشرط الإخلاص وقوة الإيقان وتمكن الإيمان‏.‏

- ‏(‏هب‏)‏ وكذا الطبراني في الأوسط وفي الكبير ‏(‏عن ابن عباس‏)‏ قال أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بعضادتي الباب ونحن في البيت فقال‏:‏ يا بني عبد المطلب إذا نزل بكم إلخ رمز لحسنه وليس كما قال إذ فيه كما قال الهيتمي‏:‏ صالح بن عبد الله أبو يحيى وهو ضعيف‏.‏

872 - ‏(‏إذا نزل أحدكم منزلاً‏)‏ مظنة للهوام والحشرات ونحوها مما يؤذي ‏(‏فليقل‏)‏ ندباً لدفع شرها ‏(‏أعوذ‏)‏ أي أعتصم ‏(‏بكلمات الله‏)‏ أي صفاته القائمة بذاته التي بها ظهر الوجود بعد العدم وبها يقول للشيء كن فيكون، وقيل هي العلم لأنه أعم الصفات ذكره بعضهم وقال القاضي كلماته جميع ما أنزله على أنبيائه لأن الجميع المضاف إلى المعارف يقتضي العموم، وقال التوربشتي‏:‏ الكلمة لغة تقع على جزء من الكلام اسماً أو فعلاً أو حرفاً وعلى الألفاظ المنطوقة وعلى المعاني المجموعة والكلمات هنا محمولة على أسماء الله الحسنى وكتبه المنزلة لأن المستفاد من الكلمات هنا إنما يصح ويستقيم أن يكون بمثلها ثم وصف الكلمات بقوله ‏(‏التامات‏)‏ أي التي لا يعتريها نقص ولا خلل تنبيهاً على عظمها وشرفها وخلوها عن كل نقص إذ لا شيء إلا وهو تابع لها يعرف بها فالوجود بها ظهر وعنها وجد، ذكره القاضي‏.‏ وقال التوربشتي وصفها بالتمام لخلوها عن العوائق والعوارض فإن الناس متفاوتون في كلامهم واللهجة وأساليب القول، فما منهم من أحد إلا وفوقه آخر في معناه أو معان كثيرة، ثم إن أحدهم قلما يسلم من معارضة أو خطأ أو سهو أو عجز عن المراد، وأعظم النقائص المقترنة بها أنها كامات مخلوقة تكلم بها مخلوق مفتقر إلى أدوات ومخارج وهذه نقيصة لا ينفك عنها كلام مخلوق، وكلمات الله تعالى متعالية عن هذه القوادح فهي التي لا يتبعها نقص ولا يعتريها اختلال ‏(‏من شر ‏[‏ص 447‏]‏ ما خلق فإنه‏)‏ إذا قال ذاك مع قوة يقين وكمال إذعان لما أخبر به الشارع ‏(‏لا يضره شيء‏)‏ من الهوام والمخلوقات ‏(‏حتى يرتحل عنه‏)‏ أي عن ذلك المنزل‏.‏ قال القرطبي‏:‏ خبر صحيح وقول صادق فإني منذ سمعته عملت به فلم يضرني شيء فتركته ليلة فلدغنتي عقرب‏.‏ وقال ابن عربي‏:‏ جربته في نفسي لدغتني عقرب مراراً في وقت وكنت استعذت بذلك فلم أجد ألماً‏؟‏ لكن كان في حزامي بندقتان وكنت سمعت أن البندق بالخاصية يدفع ألم الملسوع فلا أدري هل كان للبندق أو للدعاء أولهما لكن تورم رجلي وبقي الورم أياماً بلا ألم‏.‏

قال بعض العارفين‏:‏ جرت عادة العامة إقامة أمر ظاهر الدنيا يقتصرون في دفع عادية ذوات السموم على الأدوية والبازهرات والدرياق‏.‏ أما من فوقهم ممن يملك من أمر الله ما لا يملكه هؤلاء فيتوصل لدفع المؤذين بإعداده ما هو أيسر من ذلك فمتى عرض لأحدهم أمر اجتلب خيره واستدفع ضره بما وراءه من الكلمات والتعويذات، فنهاية الملوك إعداد درياق يدفع السم بعد وقوع العدوى ونهاية أمر المتلطف في حكمة الله إعداد الطلسم يدفع وقوعه، ولا أنفع ولا أيسر من كلمات تحفظ لا تتوقف على إمساك تميمة يخاف ضياعها ولا صناعة نقش أو تصوير ولا على ارتقاب وقت وحكم طالع عساه لا يتحقق‏.‏

‏(‏تتمة‏)‏ في مختصر حياة الحيوان عن التورزي أن شيخاً له بمكة كان يقرأ عليه فمرت عقرب فأخذها وقتلها فسأله عن ذلك فذكر له الحديث‏.‏

- ‏(‏م عن خولة‏)‏ بخاء معجمة ‏(‏بنت حكيم‏)‏ السلمية الفاضلة زرج الرجل الصالح عثمان بن مظعون‏.‏

873 - ‏(‏إذا نسي أحدكم‏)‏ أن يذكر ‏(‏اسم الله على طعامه‏)‏ أي جنس أكله ‏(‏فليقل‏)‏ ندباً ‏(‏إذا ذكر‏)‏ وهو في أثنائه ‏(‏بسم الله أوله وآخره‏)‏ فإن الشيطان يقيء ما أكله كما في خبر، وإذا طلب ذلك عند السهو فالعمد أولى، أما بعد فراغه فلا يسن الإتيان بها على ما عليه جمع شافعية وذهب بعضهم إلى أنه يقوله مطلقاً‏.‏

- ‏(‏ع عن امرأة‏)‏ من الصحابة قالت‏:‏ أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بوظبة فأخذها أعرابي بثلاث لقم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أما إنه لو قال بسم الله لوسعكم ثم ذكره، قال الهيتمي‏:‏ ورجاله ثقات‏.‏ وبه يعرف أن المصنف قصر حيث رمز لحسنه، ورواه الطبراني في الأوسط بزيادة فائدة عزيزة ولفظه أن يذكر الله في أول طعامه وليقل حين يذكر بسم الله في أوله وآخره وليقرأ قل هو الله أحد‏.‏ قال العراقي إسناده ضعيف‏.‏

874 - ‏(‏إذا نصر القوم‏)‏ أي أعان القوم أو الرجل فحذف المفعول للعلم به ‏(‏بسلاحهم وأنفسهم‏)‏ بأن بذلوها في مناصرتهم ‏(‏فألسنتهم أحق‏)‏ أن ينصروا بها فإن ذينك أشق فمن رضي بالأشد فهو بما دونه أرضى‏.‏

- ‏(‏ابن سعد‏)‏ في طبقاته ‏(‏عن ابن عوف عن محمد مرسلاً‏)‏

875 - ‏(‏إذا نظر أحدكم إلى من فضل عليه‏)‏ بالبناء للمفعول والضمير المجرور عائد على أحد ‏(‏في المال والخلق‏)‏ بفتح الخاء الصورة‏.‏ والمراد به ما يتعلق بالدنيا من مال وولد وزينة وغيرها، قال ابن حجر‏:‏ ورأيت في نسخة معتمدة من الغرائب للدارقطني‏:‏ الخلق بضم الدال والخاء واللام ‏(‏فانظر إلى من هو من أسفل منه‏)‏ أي دونه فيهما، وفي رواية إلى من تحته‏.‏ لأنه إذا نظر إلى من فوقه استصغر ما عنده وحرض على المزيد فيداويه النظر إلى من دونه فيرضى فيشكر ويقل حرصه إذ الإنسان حسود بطبعه فإذا ما قاده طبعه للنظر إلى أعلى حملته نفسه على الكفران والسخط ‏[‏ص 448‏]‏ فاذا رد النفس إلى النظر للدون حمله حبه للنعمة على الرضى والشكر‏.‏ قال الغزالي‏:‏ والشيطان أبداً يصرف وجهه بنظره إلى من فوقه في الدنيا فيقول‏:‏ لم تفتر عن الطلب وذوو المال يتنعمون‏؟‏ ويصرف نظره في الدين إلى من دونه فيقول‏:‏ ولم تضيق على نفسك وتخاف الله وفلان أعلم منك وهو لا يخافه والناس كلهم مشغولون بالنعم فلا تتميز عنهم بالشقاء‏؟‏ فعلى المكلف مجاهدة اللعين ورده‏.‏

- ‏(‏حم ق عن أبي هريرة‏)‏

876 - ‏(‏إذا نظر الوالد إلى ولده نظرة‏)‏ واحدة ‏(‏كان للولد‏)‏ المنظور إليه ‏(‏عدل‏)‏ بكسر العين وفتحها أي مثل ‏(‏عتق نسمة‏)‏ أي عتق ذي نسمة وهي النفس‏:‏ يعني إذا نظر الوالد لولده نظر رضى عنه لفعله المأمور به وتجنبه المنهي عنه وبره لأبويه وتجافيه وتباعده عن عقوقهما كان للولد من الثواب ما لو أعتق رقبة لجمعه بين رضى مولاه وإدخال السرور على أبيه بإرادته إياه قائماً بالطاعة باراً له حسب الاستطاعة وظاهر صنيعه أن هذا هو الحديث بتمامه ولا كذلك بل بقيته قيل يا رسول الله وإن نظر ثنتين وثلاثة ومئة نظرة‏؟‏ قال‏:‏ الله أكبر من ذلك اهـ‏.‏

- ‏(‏طب‏)‏ وكذا في الأوسط والبيهقي في شعب الإيمان ‏(‏عن ابن عباس‏)‏ قال ولا يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا بهذا الإسناد‏.‏ قال الهيتمي‏:‏ وإسناده حسن، وفيه إبراهيم بن أعين وثقه ابن حبان وضعفه غيره وقال شيخه العراقي فيه إبراهيم بن أعين وهم ثلاثة فليحرر من هذا منهم‏.‏

877 - ‏(‏إذا نعس أحدكم‏)‏ بفتح العين وغلط من ضمها ‏(‏وهو يصلي‏)‏ فرضاً أو نفلاً ‏(‏فليرقد‏)‏ وفي رواية فلينم، وفي أخرى فليضطجع، والنعاس أول النوم والرقاد بالضم المستطاب من النوم ذكره الراغب ‏(‏حتى يذهب عنه النوم‏)‏ وهو غشي ثقيل يهجم على القلب فيقطعه عن المعرفة بالأشياء، والأمر للندب لا للوجوب لأن النعاس إذا اشتد انقطعت الصلاة فلا يحتاج لوجوب قطع بحصوله بغير اختيار المصلي، ذكره الولي العراقي مخالفاً لأبيه في تفصيله بين شدة النعاس وخفته ‏(‏فإن أحدكم إذا صلى وهو ناعس‏)‏ أي في أوائل النوم ‏(‏لا يدري‏)‏ أي لا يدرك ما يفعل فحذف المفعول للعلم به ثم استأنف قوله ‏(‏لعله يذهب يستغفر‏)‏ برفعهما أي يقصد أن يستغفر لنفسه كأن يريد أن يقول اللهم اغفر لي ‏(‏فيسب‏)‏ بالنصب جواباً لقوله لعله ‏(‏نفسه‏)‏ أي يدعو عليها كأن يقول‏:‏ اعفر لي‏:‏ بعين مهملة والعفر التراب، فالمراد بالسب‏:‏ قلب الدعاء لا الشتم إذ لا مجال له هنا وعلل الأمر بالرقاد هنا بما ذكر، وقال في الخبر المار‏:‏ فلم يدر ما يقول والقدر المشترك بين العلتين خوف التخليط فيما يقول أو يفعله، والأمر في القراءة أشد لعظم المفسدة في تغيير القرآن قال الزين العراقي‏:‏ وإنما أوخذ بما لم ينطق به أو بدعاءه على نفسه وهو ناعس لأن من عرض نفسه للوقوع فيه بعد النهي عنه فهو متعد، وبفرض عدم إثمه لعدم قصده فالقصد من الصلاة أداؤها كما أمر وتحصيل الدعاء لنفسه وبفواته يفوت المقصود، وإنما أمر بإبطال الصلاة بعد الشروع فيها عند طرو النعاس فعدم الدخول فيها أولى، وقال ولده‏:‏ دل الحديث على أن من لا يعلم ما يقول لا يدخل في الصلاة فمراده غلبة النوم إلى ذلك فهو منهي عن الدخول فيها وعن إتمامها بعد الشروع حتى يعلم ما يقول اهـ وعلم مما تقرر أن القصد أن لا تؤدى الصلاة مع تشاغل عنها أو حائل بينه وبين الاهتمام بها لكن لما كان النعاس أغلب وقوعاً عبر به ‏(‏مالك‏)‏ في الموطأ‏.‏

- ‏(‏ق د ت ه عن عائشة‏)‏

878 - ‏(‏إذا نعس‏)‏ بفتحتين ‏(‏أحدكم‏)‏ زاد في رواية الترمذي‏:‏ يوم الجمعة ‏(‏وهو في المسجد‏)‏ أو نحوه مما تقام فيه الجمعة ‏(‏فليتحول‏)‏ ندباً ‏(‏من مجلسه‏)‏ أي محل جلوسه وذلك إلى غيره يعني ينتقل منه إلى غيره، لأن الحركة تذهب الفتور ‏[‏ص 449‏]‏ الموجب للنوم، فإن لم يكن في الصف محل يتحول له قام وجلس، قال في الأم ولو ثبت في مجلسه وتحفظ من النعاس لم أكرهه والتحول الانتقال من موضع لآخر وهذا عام في جميع الأيام، وتخصيصه بالجمعة في خبر الترمذي إنما هو لإطالة مكث المبكر بل أجراه بعضهم في كل من قعد ينتظر عبادة في أي يوم كان، وفيه وما قبله حث على استقبال الصلاة بنشاط وخشوع وفراغ قلب وتعقل لما يقرأه أو يدعو به والمحافظة على الإتيان بالأركان والسنن والآداب‏.‏

- ‏(‏د ت عن ابن عمر‏)‏ قال الترمذي حسن صحيح ورواه الحاكم وقال على شرط مسلم‏.‏

879 - ‏(‏إذا نمتم‏)‏ أي أردتم النوم ‏(‏فأطفئوا‏)‏ أخمدوا واسكتوا ‏(‏المصباح‏)‏ السراج ‏(‏فإن الفأرة‏)‏ بالهمز وتركه ‏(‏تأخذ الفتيلة‏)‏ تجرها من السراج ‏(‏فتحرق‏)‏ بضم الفوقية وسكون المهملة ‏(‏أهل البيت‏)‏ أي المحل الذي به السراج، وعبر بالبيت لأنه الغالب ‏(‏وأغلقوا الأبواب‏)‏ فإن الشيطان لا يفتح باباً مغلقاً ‏(‏وأوكؤ الأسقية‏)‏ اربطوا أفواه القرب ‏(‏وخمروا الشراب‏)‏ غطوا الماء وغيره من المائعات ولو بعرض عود كما مر‏.‏ قال ابن دقيق العيد كالنووي‏:‏ وقضية العلة أن السراج لو لم تصل إليه الفأرة لا يكره بقاؤه وقد يجب الإطفاء لعارض‏.‏ قال ابن حجر‏:‏ وكذا لو كان على منارة من نحو نحاس أملس لا يمكن الفأرة صعودها، لكن قد يتعلق به مفسدة أخرى غير جر الفتيلة كسقوط شرره على بعض متاع البيت، فإن أمن زال المنع لزوال العلة‏.‏ قال ابن دقيق العيد‏:‏ وهذه الأوامر لا يحملها الأكثر على الوجوب، ومذهب الظاهرية أولى بالالتزام به لأنهم لا يلتفتون إلى المفهومات والمناسبات، وهذه الأوامر تتنوع بحب مقاصدها، فمنها ما يحمل على الندب وهو التسمية على كل حال ومنها ما يحمل على الإرشاد والندب كغلق الباب لتعليله بأن الشيطان لا يفتح باباً مغلقأً إذ الاحتراز من مخالطته مندوب، وإن كان تحته مصالح دنيوية وكذا ربط السقاء وتخمير الإناء‏.‏

- ‏(‏طب ك‏)‏ وكذا أحمد ‏(‏عن عبد الله بن سرجس قال جاءت فأرة فجرت الفتيلة فألقتها بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم على الخمرة فأحرقت مثل الدرهم، فذكره، قال الهيتمي‏:‏ رجال أحمد والطبراني رجال الصحيح‏.‏

880 - ‏(‏إذا نهق الحمار‏)‏ أي علمتم بنهيقه بسماع أو خبر ‏(‏فتعوذوا‏)‏ ندباً ‏(‏بالله‏)‏ أي اعتصموا به ‏(‏من الشيطان الرجيم‏)‏ فإنه رأى شيطاناً كما جاء تعليله في عدة أخبار من بعضها، وفي مكارم الأخلاق للخرائطي عن الحسن أنه كان يقول عند نهيقه‏:‏ بسم الله الرحمن الرحيم أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم‏.‏

- ‏(‏طب عن صهيب‏)‏ بضم المهملة وبفتح الهاء وسكون التحتية‏:‏ ابن سنان النميري الرومي‏.‏ قال الهيتمي‏:‏ وفيه إسحاق بن يحيى بن طلحة متروك‏.‏

881 - ‏(‏إذا نودي للصلاة‏)‏ أي أذن مؤذن بأي صلاة كانت ‏(‏فتحت أبواب السماء واستجيب الدعاء‏)‏ قال الحليمي‏:‏ معناه أن الله يستجيب للذين يسمعون النداء للصلاة فيأتونها ويقيمونها كما أمروا به إذا دعوه ويسألون ليكون إجابته إياهم إلى ما سألوه ثواباً عاجلاً - لمسارعتهم لما أمرهم به‏.‏ اهـ‏.‏ والدعاء أيضاً عند ختمه مستجاب لخبر أبي داود وغيره أن رجلاً قال يا رسول الله إن المؤذنين يفضلوننا فقال قل كما يقولون، فإذا انتهيت فسل تعطه‏.‏

- ‏(‏الطيالسي‏)‏ أبو داود ‏(‏تخ والضياء‏)‏ المقدسي ‏(‏عن أنس‏)‏ وفيه سهل بن زياد‏.‏ قال في اللسان كأصله تكلم فيه ولم يترك‏.‏

‏[‏ص 450‏]‏ 882 - ‏(‏إذا هممت بأمر‏)‏ أي عزمت على فعل شيء لاتدري وجه الصواب فيه ‏(‏فاستخر ربك‏)‏ اطلب منه التوفيق والهداية إلى إصابة خير الأمرين ‏(‏فيه‏)‏ ندباً بعد أن تتوب وتفرغ قلبك من الشواغل الدنيوية والهواجس النفسانية فأعد الاستخارة ‏(‏سبع مرات ثم انظر‏)‏ أي تدبر وتأمل ‏(‏إلى‏)‏ الشيء ‏(‏الذي يسبق إلى قلبك‏)‏ من فعل أو ترك ‏(‏فإن الخيرة‏)‏ بكسر المعجمة ‏(‏فيه‏)‏ فلا تعدل عنه والاستخارة طلب الخير يقال استخار الله العبد فخار أي طلب منه الخير فأولاه، والخيرة الحالة التي تحصل للمستخير، وأضاف الاستخارة إلى الرب دون غيره من الصفات إشارة إلى أنه المربي له الفاعل به ما يصلحه يقال‏:‏ رب الأمر أصلحه وساسه وقام بتدبيره، ومن ثم لا يطلق معروفاً إلا على الله المتكفل بمصلحة الموجودات بأسرها قال النووي‏:‏ وفيه أنه يفعل بعد الاستخارة ما ينشرح له صدره لكنه لا يفعل ما ينشرح له صدره مما كان له فيه هوى قبل الاستخارة والأكمل الاستخارة عقب صلاة ركعتين بنيتها، ويحصل أصل السنة بمجرد الدعاء‏.‏

- ‏(‏ابن السني في عمل يوم وليلة فر عن أنس‏)‏ وفيه إبراهيم بن البراء قال الذهبي في الضعفاء‏:‏ اتهموه بالوضع عن أبيه وهو ضعيف‏.‏ وقال النووي في الأذكار‏:‏ إسناده غريب فيه من لم أعرفهم‏.‏ وقال ابن حجر في الفتح بعد عزوه لابن السني هذا الحديث لو ثبت كان هو المعتمد، لكن إسناده واه جداً‏.‏

883 - ‏(‏إذا وجد أحدكم ألماً‏)‏ أي وجعاً في عضو ظاهر أو باطن ‏(‏فليضع يده‏)‏ ندباً والأولى كونها اليمين ‏(‏حيث يجد ألمه‏)‏ أي في المكان الذي يحس بالوجع فيه ‏(‏وليقل‏)‏ باللفظ ندباً ‏(‏سبع مرات‏)‏ أي متواليات كما يفيده السياق ‏(‏أعوذ بعزة الله وقدرته على كل شيء‏)‏ ومنه هذا الألم ‏(‏من شر ما أجد‏)‏ زاد في روابة مرت وأحاذر، وفيها أنه يرفع يده في كل مرة ثم يعيدها فيحمل المطلق على المقيد‏.‏ وفي بعض الروايات ذكر التسمية مقدمة على الاستعاذة وورد في حديث آخر ما يدل على أنه يفعل مثل هذا بغيره أيضاً‏.‏

- ‏(‏حم طب عن كعب بن مالك‏)‏ الأنصاري السلمي أحد الثلاثة الذين خلفوا، شهد العقبة وكان من شعراء المصطفى صلى الله عليه وسلم قال الهيتمي فيه أبو معشر محتج به وقد وثق على أن جمعاً كثيراً ضعفوه وتوثيقه بين وبقية رجاله ثقات انتهى، ومن ثم رمز لحسنه‏.‏

884 - ‏(‏إذا وجد أحدكم لأخيه‏)‏ في الدين ونص عليه اهتماماً بشأنه لا لإخراج غيره فالذمي كذلك ‏(‏نصحاً‏)‏ بالضم قال الخطابي النصيحة كلمة جامعة معناها حيازة الحظ للمنصوح مأخوذ من نصح الرجل ثوبه إذا خاطه فشبه فعل الناصح بما يتحراه من صلاح المنصوح بما يسده من خلل الثوب وقيل من نصح العسل صفاه، شبهوا تخليصه القول من الغش بتخليص العسل من الخلط ‏(‏في نفسه‏)‏ أي حاك في صدره كذلك ‏(‏فليذكره له‏)‏ وجوباً فإن كتمه عنه فقد غشه وخانه فالنصيحة فرض كفاية على الجماعة وعين على الواحد وهي لازمة بقدر الطاقة إذا علم الناصح أن المنصوح يقبل وأمن على نفسه وماله قال بعضهم وإنما يكون الرجل ناصحاً لغيره إذا بدأ بنصح نفسه واجتهد في معرفة ما يجب له وعليه ليعرف كيف ينصح‏.‏

- ‏(‏عد عن أبي هريرة‏)‏ وفيه إبراهيم بن أبي ثابت واه قال مخرجه ابن عدي وعامة أحاديثه مناكير وفي اللسان عن ابن حبان هو الذي يقال له ابن أبي ثابت تفرد بأشياء لا تعرف حتى خرج عن حد الاحتجاج به وبه يعرف أن المؤلف لم يصب حيث عزى الحديث لمخرجه وحذف من كلامه بيان القادح‏.‏

‏[‏ص 451‏]‏ 885 - ‏(‏إذا وجد أحدكم عقرباً وهو يصلي فليقتلها بنعله اليسرى‏)‏ ولا تبطل صلاته به لأنه فعل واحد وهي إنما تبطل بثلاثة أفعال متوالية‏.‏ كذا قرروه‏.‏ وظاهره أن الخطاب للمصلي في نعليه، ومثلهما الخفاف، فإن صلى بغير نعل ولا خف، فيحتمل أن يقال يأخذ نعله بيده اليسرى فيقتلها بضربة واحدة، وذلك فعل لا ثلاثة‏.‏ وقضية الحديث أنه لو قتلها بنعله اليمنى لا يكون آتياً بالمأمور ولعله غير مراد‏.‏ والظاهر حصول الامتثال بقتلها باليمنى والنص على اليسرى للأولوية ولو لم يمكن قتلها إلا بثلاثة متوالية فهل بقتلها وإن بطلت الصلاة‏؟‏ يحتمل أن يقال نعم تقديماً لدرء مفسدتها على مصلحة الصلاة سيما إن اتسع الوقت، ويحتمل إلحاق الحية التي يمكن قتلها بضربة من غير لحوق ضرر كالعقرب بل أولى لأن قتلها آكد من قتل العقرب‏.‏

- ‏(‏د في مراسيله‏)‏ من حديث سليمان بن موسى ‏(‏عن رجل من الصحابة‏)‏ من بني عدي بن كعب‏.‏ رمز المصنف لضعفه وهو غفلة عن قول علم الحفاظ ابن حجر رجاله ثقات لكنه منقطع‏.‏

886 - ‏(‏إذا وجدت القملة‏)‏ أو نحوها كبرغوث ‏(‏في المسجد‏)‏ حال من الفاعل‏:‏ أي وجدتها في شيء من ملبوسك كثوبك ‏(‏فلفها في ثوبك‏)‏ ونحوه كطرف ردائك أو عمامتك أو منديلك ‏(‏حتى تخرج منه‏)‏ فألقها حينئذ خارجة، فإن إلقاءها فيه حرام‏.‏ وبهذا أخذ بعضهم وصرح به من الشافعية القمولي في جواهره لكن مفهوم قول النووي بحرم إلقاءها فيه مقتولة أنه لا يحرم وفصل بعض المالكية فقال يجوز إلقاء البراغيث لا القمل فإن البرغوث يأكل التراب بخلافها والحديث متكفل برد تفصيله، إذا لو كان كذلك لما خص بالمسجد، إذ على ما يزعمه هذا المفصل بحرم طرحه في المسجد وغيره، أما إلقاؤها فيه ميتة فحرام شديد التحريم‏.‏ وظاهر قوله في الخبر فلفها في ثوبك حتى تخرج أنه لا يكلف الخروج لإلقائها خارجة فوراً، لكن قد يقال إن فيه تعذيباً لها، فإما أن يخرج فوراً لطرحها أو يقتلها ويلفها مقتولة حتى يخرج لجواز قتلها فيه بشرط أمن التلويث‏.‏

- ‏(‏طب عن رجل من بني خطمة‏)‏ بفتح المعجمة وسكون المهملة، بطن من الأنصار، ورواه عنه أيضاً الحارث بن أبي أسامة والديلمي‏.‏

887 - ‏(‏إذا وسد‏)‏ بالتشديد وفي رواية في البخاري للقابسي أوسد بهمزة مضمومة أوله وفي رواية له إذا أسند ‏(‏الأمر‏)‏ أي فوض الحكم المتعلق بالدين كالخلافة ومتعلقاتها من إمارة وقضاء وإفتاء وتدريس وغير ذلك ‏(‏إلى غير أهله‏)‏ أي إلى من ليس له بأهل‏.‏ والمعنى إذا سود وشرف من لا يستحق السيادة والشرف أو هو من الوسادة‏:‏ أي إذا وجدت وسادة الأمر والنهي لغير مستحقها وكان شأن الأمير عندهم إذا جلس أن يثني تحته وسادة، فإلى بمعنى اللام، وعبر بها ليدل على تضمين معنى أسند ‏(‏فانتظروا الساعة‏)‏ لأنه قد جاء أشراطها‏.‏ والفاء للتفريع أو جواب الشرط‏.‏ والتوسيد في الأصل أن يجعل للرجل وسادة، ثم استعمل في تفويض الأمر وإسناده إلى غيره، وإنما دل على دنو الساعة لإفضاءه إلى اختلال الأمر والنهي ووهن الدين وضعف الإسلام وغلبة الجهل ورفع العلم وعجز أهل الحق عن القيام به ونصرته‏.‏ وللساعة أشراط كثيرة كبار وصغار، وهذا منها‏.‏

- ‏(‏خ‏)‏ في العلم والرقائق وغيرهما ‏(‏عن أبي هريرة‏)‏ قال بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث القوم جاء أعرابي فقال متى الساعة‏؟‏ فمضى رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث، فقال بعضهم سمع ما قال فكره ما قال، وقال بعضهم لم يسمع، حتى إذا قضى حديثه قال أين السائل عن الساعة فقال هذا يارسول الله، فقال إذا ضيعت ‏(‏قوله ضيعت‏:‏ بضم الضاد وتشديد الياء المكسورة فعل ماض مبني للمفعول‏:‏ أي إذا ضيعت الأمة الأمانة‏)‏ الأمانة فانتظر الساعة، قال كيف إضاعتها‏؟‏ قال‏:‏ فذكره‏.‏

‏[‏ص 452‏]‏ 888 - ‏(‏إذا وضع السيف‏)‏ أي المقاتلة ‏(‏في أمتي‏)‏ أمة الإجابة ‏(‏لم يرفع عنها‏)‏ وفي رواية عنهم ‏(‏إلى يوم القيامة‏)‏ أي تسلسل فيهم وإن قل أحياناً أو كان في بعض الجهات دون بعض، وذلك إجابة لدعوته أن يجعل بأسهم بينهم وأن لا يسلط عليهم عدواً من غيرهم‏.‏ قال ابن العربي‏:‏ وكانت هذه الأمة معصومة منه مدة من صدر زمانها مسدوداً عنها باب الفتنة حتى فتحت بقتل إمامها عثمان، فكان أول وضع السيف‏.‏

- ‏(‏ت‏)‏ في الفتن ‏(‏عن ثوبان‏)‏ بفتح المثلثة مولى المصطفى صلى الله عليه وسلم وقال صحيح اهـ‏.‏ وتبعه المصنف رحمه الله فرمز لصحته ورواه أبو داود وابن ماجه مطولاً وأحمد والبزاز وقال الهيتمي ورجاله رجال الصحيح‏.‏

889 - ‏(‏إذا وضع الطعام‏)‏ بين أيديكم‏:‏ أي قرب إليكم لتأكلوه ‏(‏فاخلعوا نعالكم‏)‏ أي انزعوا ما في أرجلكم مما وقيت به الدم كمداس وتاسومة ونحو ذلك ‏(‏فإنه‏)‏ أي النزع ‏(‏أروح‏)‏ أكثر راحة ‏(‏لأقدامكم‏)‏ فيه إشارة إلى أن الأمر إرشادي لمصلحة تعود على القدم‏.‏ ويتردد النظر في الخف، والظاهر أنه لا يلحق به ‏(‏الدرامي‏)‏ في مسنده‏.‏

- ‏(‏ك عن أنس‏)‏ وله شواهد كثيرة‏.‏

890 - ‏(‏إذا وضع الطعام‏)‏ بين أيدي الآكلين ‏(‏فليبدأ‏)‏ ندباً في الأكل ‏(‏أمير القوم‏)‏ لأن التقدم عليه ربما أورث فتنة وهو سوء أدب ‏(‏أو صاحب الطعام‏)‏ أي فإن لم يكن ثم أمير فليبدأ صاحب الطعام لأنه المالك فلا يتقدم عليه غيره في ملكه ‏(‏أو خير القوم‏)‏ أي فإن لم يحضر المالك أو حضر ولم يأكل لعذر فالأولى أن يبدأ أكثرهم علماً وصلاحاً فإن لم يكن فأرأسهم‏.‏

- ‏(‏ابن عساكر‏)‏ في تاريخه ‏(‏عن أبي إدريس الخولاني‏)‏ السيد الجليل العابد الزاهد ذي الكرامات والخوارق ‏(‏مرسلاً‏)‏ أرسل عن عدة من الصحابة‏.‏

891 - ‏(‏إذا وضع الطعام فخذوا‏)‏ أي تناولوا الأكل ندباً ‏(‏من حافته‏)‏ أي من جانب القصعة ‏(‏وذروا وسطه‏)‏ أي اتركوه ولا تأكلوا منه أولاً ‏(‏فإن البركة‏)‏ أي الخير الإلهي والنمو تنزل في وسطه ثم تسري‏.‏ قال الخطابي‏:‏ يحتمل إطلاق النهي واختصاصه بمن أكل مع غيره، لأن أفضل الطعام وأطيبه وجهه، وإذا قصده بالأكل استأثر به‏.‏ وهو ترك أدب وسوء عشرة‏.‏ وأخذ بقضية الإطلاق في الإحياء فعد من آداب الأكل أن لا يأكل من ذروة القصعة ولا يأكل من وسط الطعام مطلقاً‏.‏

- ‏(‏عن ابن عباس‏)‏ رمز المصنف لصحته‏.‏

892 - ‏(‏إذا وضعت جنبك‏)‏ أي شقك ‏(‏على الفراش‏)‏ لتنام ليلاً، وكذا نهاراً لكن الليل آكد ‏(‏وقرأت فاتحة الكتاب‏)‏ أي سورة الفاتحة ‏(‏وقل هو الله أحد‏)‏ أي سورتها ‏(‏فقد أمنت‏)‏ في نومك تلك الليلة ‏(‏من كل شيء‏)‏ يؤذيك ‏(‏إلا الموت‏)‏ فإن أجل الله إذا جاء لا يؤخر، وهذا إذا قرأهما بحضور وجمع همة وصفاء قلب وقوة يقين بتصديق الرسول فيما يفعل ‏[‏ص 453‏]‏ ويقول، وإلا فهيهات هيهات‏.‏

- ‏(‏البزار‏)‏ في مسنده ‏(‏عن أنس‏)‏ قال الهيتمي فيه عسال بن عبيد وهو ضعيف، ووثقه ابن حبان، وبقية رجاله رجال الصحيح‏.‏

893 - ‏(‏إذا وضعتم موتاكم‏)‏ أيها المسلمون ‏(‏في القبور‏)‏ وفي رواية في قبورهم ‏(‏فقولوا‏)‏ ندباً أي ليقل من يضجعه في لحده حال إلحاده، ويحتمل أن غيره يقول ذلك أيضاً لخبر البزار‏:‏ إذا بلغت الجنازة وجلس الناس فلا تجلس ولكن ولكن قم على شفير قبره، فإذا دلى في قبره فقل ‏(‏بسم الله‏)‏ ظاهره فقط، فلا يزيد‏:‏ الرحمن الرحيم، ويحتمل أن المراد الآية بتمامها وهو الأقرب لكمال مناسبة ذكر الرحمة في ذلك المقام ‏(‏وعلى ملة‏)‏ وفي رواية بدله وعلى سنة ‏(‏رسول الله‏)‏ أي أضعه ليكون اسم الله وسنة رسوله زاداً له وعدة يلقى بها الفتانين ونقل النووي عن النص أنه يندب بعد ذلك أن يقول من يدخله القبر‏:‏ اللهم سلمه إليك الأشحاء من أهله وولده وقرابته وإخوانه، وفارق من يحب قربه وخرج من سعة الدنيا إلى ظلمة القبر وضيقه ونزل بك وأنت خير منزول إلخ‏.‏ قال في المطامح‏:‏ والتزاحم على النعش والميت بدعة مكروهة، وكان الحسن إذا رآهم يزدحمون عليه يقول‏:‏ إخوان الشياطين‏.‏

- ‏(‏حم حب طب ك هق عن ابن عمر‏)‏ قال الحاكم على شرطهما وقد وقفه شعبة اهـ‏.‏ وصنيع المؤلف يشعر بأنه لم يخرجه أحد من الستة والأمر بخلافه، فقد خرجه النسائي وقد مر عن مغلطاي وغيره أنه ليس لحديثي عزو حديث فيها لغيرها إلا لزيادة فائدة، ثم هو حديث معلول‏.‏

قال الحافظ ابن حجر أعل بالوقف وتفرد برفعه همام عن قتادة عن أبي الصديق عن ابن عمر ووقفه سعيد وهشام ورجح الدارقطني وقفه وغيره رفعه‏.‏

894 - ‏(‏إذا وعد‏)‏ من الوعد قال الحراني وهو العهد بالخير ‏(‏الرجل‏)‏ يعني الإنسان ‏(‏أخاه‏)‏ في الدين بأن يفعل له شيئاً يسوغ شرعاُ ‏(‏ومن نيته أن يفيء‏)‏ قال الأشرفي‏:‏ هذا دليل على أن النية الصالحة يثاب الإنسان عليها وإن تخلف عنها المنوي ‏(‏فلم‏)‏ يف له ‏(‏ولم يجيء‏)‏ لعذر منعه من المجيء ‏(‏للميعاد‏)‏ أي لمكان الوعد ليفي له بما عاهده عليه‏.‏ والواو بمعنى أو‏:‏ أي وعده يوماً بشيء أو بأن يحضر بمكان ‏(‏فلا إثم عليه‏)‏ لعذره ولفظ الترمذي فلا جناح عليه، أما لو تخلف عن الوفاء بغير عذر فهو ملام، بل التزم بعض الأئمة تأثيمه لمفهوم هذا الحديث ولأن الوفاء بالوعد مأمور به في جميع الأديان وحافظ عليه الرسل المتقدمون والسلف الصالحون وأثنى الله تعالى على خليله في التنزيل بقوله ‏{‏وإبراهيم الذي وفى‏}‏ ومدح ابنه إسماعيل بقوله ‏{‏كان صادق الوعد‏}‏ لكن أبو حنيفة والشافعي على أن الوفاء مستحب لا واجب، ويؤول هذا الخبر بأنه لا يأثم حيث كان الوفاء بالوعد لازماً له لذاته لا للوعد ومنعه عذر قال في شرح الرعاية‏:‏ والوعد الذي هو محل الخلاف كل ما يدخل الشخص فيه بسبب مواعدتك في مضرة أو كلفة، ومنه ما لو تكلف طعاماً وجلس ينتظر موعدك‏.‏ اهـ

- ‏(‏د‏)‏ في الأدب ‏(‏ت‏)‏ في الإيمان ‏(‏عن زيد بن أرقم‏)‏ وقال غريب وليس سنده بالقوي‏.‏ قال الذهبي في المهذب وفيه أبو نعمان مجهول كشيخه أبي الوقاص، وقال المناوي‏:‏ اشتمل سنده على مجهولين‏.‏

895 - ‏(‏إذا وقع‏)‏ أي سقط ‏(‏الذباب‏)‏ بذال معجمة، واحده ذبابة ‏(‏في شراب أحدكم‏)‏ ماءاً أو غيره من المائعات، وفي رواية ابن ماجه‏:‏ إذا وقع في الطعام، وفي أخرى‏:‏ وقع في إناء أحدكم، والإناء يكون فيه كل مأكول ومشروب ‏[‏ص 454‏]‏ ‏(‏فليغمسه‏)‏ وفي رواية فليمقله زاد الطبراني‏:‏ كله وفيه دفع توهم المجاز في الاكتفاء بغمس بعضه‏.‏ والأمر إرشادي لمقابلة الداء بالدواء ‏(‏ثم لينزعه‏)‏ وفي رواية البخاري‏:‏ لينزعه -بزيادة فوقية قبل الزاي - وفي الطبراني‏:‏ ثم ليطرحه، وفي البزار برجال ثقات‏:‏ أنه يغمس ثلاثاً مع قول بسم الله ‏(‏فإن في إحدى‏)‏ بكسر الهمزة وسكون الحاء ‏(‏جناحيه‏)‏ وهو الأيسر على ما قيل، وإنما قال إحدى‏:‏ لأن الجناح يذكر ويؤنث لقولهم في جمعه أجنحة وأجنح، فأجنح جمع المذكر، وأجنحة جمع المؤنث ‏(‏داء‏)‏ أي قوة سمية يدل عليها الورم‏.‏ والحكة العارضة عند لدغه وهي بمنزلة سلاحه فإذا سقط في شيء تلقاه بها‏.‏ قال الزركشي‏:‏ وداء منصوب اسم إن ‏(‏وفي الأخرى‏)‏ بضم الهمزة، قيل وهي اليمنى، وفي رواية‏:‏ الآخر بالتذكير ‏(‏شفاء‏)‏ - ‏[‏‏(‏والأمر للندب كما ذكره في شرح الحديث 5941‏.‏

وقد أثبت ذلك الطب الحديث بدون أدنى شك، و اختصاره أن في إحدى جناحيه نوع من الجراثيم، وفي الآخر مضادات حيوية antibiotics‏.‏ و سمعت في دار الحديث النبوي الشريف بدمشق الأستاذ الشيخ رفيق السباعي رحمه الله يروي قصة أحد المسلمين في ألمانيا، سأله أستاذه في علم الكيمياء عن وجود هذا الحديث فقال نعم‏.‏ فقال أستاذه أن الأمر سهل وأنه يمكن التأكد من صحة الحديث علميا‏.‏ و بعد التجارب اكتشف الأستاذ صحة الحديث فأرسل لجامعة الأزهر بمصر للتأكد من ورود الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏ و عندما أتاه الخبر منهم بالإيجاب أعلن إسلامه‏.‏ عرفان الرباط، دار الحديث‏)‏‏]‏ -حقيقة فأمر الشارع بمقابلة السمية بما في جناحه الأخر من الشفاء‏؟‏ ولا بعد في حكمة الله أن يجعلهما في جزء الحيوان الواحد كالعقرب بإبرتها السم ويداوي منه بجزء منها، فلا ضرورة للعدول عن الحقيقة هنا وجعله مجازاً، كما وقع للبعض حيث جعله من الطب الروحاني بمعنى إصلاح الأخلاق وتقويم الطباع بإخراج فاسدها وتبقية صالحها‏.‏ قال التوربشتي‏:‏ ووجدنا لكون أحد جناحي الذباب داء والآخر دواء فيما أقامه الله لنا من عجائب خلقه وبدائع فطرته شواهد ونظائر، منها النحلة يخرج من بطنها شراب نافع وبث في إبرتها السم الناقع‏.‏ والعقرب تهيج الداء بإبرتها، ويتداوى من ذلك بجرمها‏.‏ وأما اتفاؤه بالجناح الذي فيه هذا الداء على ما ورد في رواية فإنه تعالى ألهم الحيوان بطبعه ما هو أعجب منه‏.‏ فلينظر المتعجب من ذلك إلى النملة كيف تسعى لجمع القوت وتصون الحب على المدى وتجفف الحب إذا أثر فيه الندى ثم تقطع الحب لئلا ينبت وتترك الكزبرة بحالها لكونها لا تنبت وهي صحيحة‏.‏ فتبارك الله‏.‏

وفيه أن الماء القليل والمائع لا ينجس بوقوع مالا نفس له سائلة فيه، إذ غمسه يفضي لموته‏.‏ فلو نجسه لم يأمر به، لكن شرطه ألا يغير ولا يطرح، وبهذا أخذ الشافعي، ونوزع بأن المقل لا يوجب الموت، فهو للمنع عن العيافة، فإن سلم فإلحاق كل مالا نفس له سائلة به باطل إذ قد لا يعم وجوده، ورد الأول بأن المقل سبب للموت فلو نجس لم يأمر به، إذ مظنة النجاسة كالنجاسة، والثاني بأن سبب عفوه عدم الدم المتعفن فيطرد في كل ما اتصف به‏.‏

- ‏(‏خ ه عن أبي هريرة‏)‏

896 - ‏(‏إذا وقعت في ورطة‏)‏ أي بلية يعسر الخروج منها، وأصل الورطة‏:‏ الهلاك، ثم استعمل في كل شدة وأمر شاق أي إذا وقعت في شدة وأردت الخلاص منها ‏(‏فقل‏)‏ عند ذلك ندباً ‏(‏بسم الله الرحمن الرحيم‏)‏ أستعين على التخلص من ذلك ‏(‏ولاحول ولا قوة إلا بالله‏)‏ قال الأكمل‏:‏ الحول الحركة أي لا حركة ولا استطاعة إلا بمشيئة الله، وقيل معناه لا حول في دفع الشر ولا استطاعة في جلب الخير إلا بالله‏.‏

ويعبر أهل اللغة عن هذه الكلمة بالحوقلة والحولقة ‏(‏العلي‏)‏ الذي لا رتبة إلا وهي منحطة عن رتبته ‏(‏العظيم‏)‏ عظمة تتقاصر عنها الأفهام لما غلب عليها من الأوهام‏.‏ قال الحراني ونظم الاسمين هكذا دال على أنه أريد بالعظم علو الرتبة وبعد المنازل عن إدراك العقول ‏(‏فإن الله تعالى يصرف ما شاء من أنواع البلاء‏)‏ إن تلفظ بها بصدق وقوة إيقان بما أخبر به الشارع من المضار والمنافع ‏(‏ابن السني في عمل يوم وليلة عن علي‏)‏ قال‏:‏ قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم يا علي‏:‏ ألا أعلمك كلمات إذا وقعت في ورطة قلتها‏؟‏ قلت بلى جعلني الله فداءك‏.‏ فذكره‏.‏

897 - ‏(‏إذا وقعتم في الأمر العظيم‏)‏ أي الصعب المهول ‏(‏فقولوا‏)‏ ندباً عند ذلك ‏(‏حسبنا الله‏)‏ أي كافينا ‏(‏ونعم الوكيل‏)‏ الموكل ‏[‏ص 455‏]‏ إليه، لأن فيه رفضاً للأسباب واستغناء بمسببها، ومن اكتفى به لم يخيبه، بل يكشف همه ويزيل غمه‏.‏ ولو أن أحداً التجأ إلى ملك من ملوك الدنيا لهابه طالبه وكف عنه إعظاماً للملتجيء إليه، فكيف بمن يحتسب برب العالمين ويكتفي به عن الخلق أجمعين‏؟‏ ولا تدافع بين هذا وما قبله، لأن المصطفى صلى الله عليه وسلم كان يختلف جوابه باختلاف السائلين والمخاطبين، فيجيب كل واحد بما يناسبه‏.‏

- ‏(‏ابن مردويه‏)‏ في تفسيره ‏(‏عن أبي هريرة‏)‏ بسند ضعيف‏.‏

898 - ‏(‏إذا وقع في الرجل‏)‏ بالبناء للمفعول، والرجل غالبي‏:‏ أي سب واغتيب ‏(‏وأنت في ملأ‏)‏ أي جماعة فيهم من وقع فيه، وخص الوقوع في الملأ لأهمية الرد لا لإخراج غيره، فلو كان مع واحد فكذلك ‏(‏فكن للرجل ناصراً‏)‏ أي مقوياً مؤيداً راداً عليهم ما قالوه ‏(‏وللقوم زاجراً‏)‏ أي مانعاً عن الوقيعة فيه ‏(‏وقم عنهم‏)‏ أي انصرف عن المحل الذي هم فيه إن لم ينتهوا عن ذلك المنكر، فإن المقر على الغيبة بمنزلة الفاعل، وقد ينزل عليهم سخط فيصيبك، قال الغزالي‏:‏ جوارحك عندك أمانة‏.‏ فاحذر أن تصغي بها إلى خوض في باطل أو ذكر مساوىء الناس، فإنما جعلت لك لتسمع بها كلام الله ورسوله وحكمه، فإذا أصغيت بها إلى المكاره صار ما كان لك عليك

- ‏(‏ابن أبي الدنيا في ذم الغيبة عن أنس‏)‏

899 - ‏(‏إذا ولى‏)‏ بفتح فكسر، وفي رواية إذا كفن ‏(‏أحدكم أخاه‏)‏ في الدين أي تولى أمره وتجهيزه‏.‏ وكل من تولى أمر واحد فهو وليه كما في الصحاح ‏(‏فليحسن كفنه‏)‏ بالتشديد وضبطه الأكثر بفتح الفاء، وفي الديباج أنه الأشهر وحكىعياض سكونها‏:‏ أي فعل التكفين منه إسباغ وعموم وتحسين وتعطير ونحوها، وليس المراد المغالاة في ثمنه فإنه مكروه‏.‏

- ‏(‏حم م د ن عن جابر ت ه عن أبي قتادة‏)‏‏.‏

900 - ‏(‏إذا ولى أحدكم أخاه فليحسن كفنه‏)‏ بأن يختار له من الثياب أنظفها وأسبغها‏.‏ قال التوربشتي‏:‏ وما يؤثره المبذرون من الثياب الرفيعة منهي عنه بأصل الشرع لإضاعة المال ‏(‏فانهم‏)‏ أي الموتى، على حد ‏{‏حتى توارت بالحجاب‏}‏ ‏(‏يبعثون من قبورهم في أكفانهم‏)‏ التي يكفنون عند موتهم فيها‏.‏

ولا ينافضه حشرهم عراة لأنهم يقومون من قبورهم بثيابهم ثم يجردون ‏(‏ويتزاورون‏)‏ في القبور ‏(‏في أكفانهم‏)‏ التي يكفنون عند موتهم فيها ولا ينافيه قول الصديق‏:‏ الكفن إنما هو للصديد لأنه كذلك في رؤيتنا لا في نفس الأمر، ولا خبر‏:‏ لاتغالوا في الكفن فإنه يسلب سريعاً - لاختلاف أحوال الموتى، فمنهم من يعجل له الكسوة لعلو مقامه، ومنهم من لم يبلغ ذلك فيستمر في كفنه ويتزاور فيه في البرزخ‏.‏ وفيه رد على ابن الحاج حيث قبح قول الناس‏:‏ الموتى يتفاخرون في أكفانهم في القبور وحسنها وجعله من البدع الشنيعة ‏(‏سموية‏)‏ في فوائده‏.‏

- ‏(‏عق خط‏)‏ في ترجمة سعيد العطار ‏(‏عن أنس‏)‏ ظاهر صنيعه أن الخطيب لم يخرجه إلا من حديث أنس، ولا كذلك، بل خرجه من حديثه ومن حديث جابر في موضع واحد، وحديث جابر قال في اللسان عن العقيلي إسناده صالح بخلاف حديث أنس، فاقتصر على المعلول وحذف المقبول ‏(‏الحارث‏)‏ ابن أبي أسامة عن روح عن زكريا عن أبي الزبير ‏(‏عن جابر‏)‏ وروح، قال الذهبي وغيره متروك وأورده ابن الجوزي في الموضوع ونازعه المؤلف على عاداته‏.‏

901 - ‏(‏اذبحوا لله‏)‏ أي اذبحوا الحيوان الذي يحل أكله إن شئتم واجعلوا الذبح لله ‏(‏في أي شهر كان‏)‏ رجباً أو غيره ‏(‏وبروا‏)‏ ‏[‏ص 456‏]‏ بفتح الموحدة وشد الراء أي تعبدوا ‏(‏لله وأطعموا‏)‏ بهمزة قطع أي الفقراء وغيرهم كان الرجل منهم إذا بلغت إبله مئة نحر بكراً في رجب لصنمه، يسمونه الفرع، فنهى المصطفى صلى الله عليه وسلم عن الذبح للصنم وأمر بالذبح لله، والصحيح عند الإمام الشافعي ندب الفرع والعتيرة وهي ما يذبح في رجب، وخبر‏:‏ ولا فرع ولا عتيرة‏:‏ المراد به الوجوب أو نفي ما يذبح للصنم، أما تفرقة اللحم للفقراء فبر وصدقة في أي وقت كان‏.‏

- ‏(‏د ن ك عن نبيشة‏)‏ بنون مضمومة وشين معجمة مصغر كما في التقريب، وكذلك ضبطه المؤلف وهو ابن عبد الله الهذلي ويقال له الخير نبيشة سماه بذلك النبي صلى الله تعالى عليه وسلم صحابي قليل الحديث، قال قيل يا رسول الله إنا كنا نعتر عتيرة في الجاهلية في رجب فما تأمرنا‏؟‏ فذكره‏.‏ قال الحاكم صحيح فقال الذهبي - مستدركاً عليه - بل له علته‏.‏

902 - ‏(‏اذكر الله‏)‏ بالقلب فكراً وباللسان ذكراً بأن تقول لا إله إلا الله مع الإخلاص، والذكر ثلاث نفي وإثبات بغير نفي وإشارة بغير تعرض لنفي ولا إثبات‏.‏ فالأول قول لا إله إلا الله، والذكر به قوام كل جسد وموافق لمزاج كل أحد، الثاني ذكر اسمه الشريف الجامع وهو الله اسم جلال محرق ليس كل أحد يطيق الذكر به‏.‏

والثالث ذكر الإشارة وهو‏:‏ هو فدوام ذكر لاإله إلا الله سبب لليقظة من الغفلة، وذكر اسم الله سبب للخروج عن اليقظة في الذكر إلى وجود الحضور مع المذكور وذكر هو هو، سبب للخروج عن سوى المذكور اهـ وقال الفخر الرازي قال الأكثرون الأولى أن يكون الذكر في الابتداء قول لا إله إلا الله وفي الانتهاء الاختصار وفضل بعضهم الأول مطلقاً، لأن عالم القلب مشحون بغير الله، فلابد من كلمة النفي لنفي الأغيار، فإذا خلا موضع منبر التوحيد ليجلس عليه سلطان المعرفة وبعضهم الثاني مطلقاً لأنه حين ذكر النفي قد لا يجد مهملة توصله إلى الإثبات فيبقى في النفي غير منتقل إلى الإقرار ‏(‏فإنه‏)‏ أي الذكر أو الله ‏(‏عون لك على ما تطلب‏)‏ أي لأنه مساعد لك على تحصيل مطلوبك، لأن الله سبحانه وتعالى يحب أن يذكر ولو من فاسق، فإذا ذكره ثم دعاه أعطاه ما تمناه، ولهذا قال بعض الصوفية‏:‏ الإعراض عن الذكر يشوش الرزق ويضيق المعيشة، وأخرج ابن عساكر أن أبا مسلم الخولاني كان يكثر الذكر فرآه رجل فقال مجنون صاحبكم هذا، فسمعه‏.‏ فقال ليس هذا بجنون يا ابن أخي، هذا دواء الجنون‏.‏

- ‏(‏ابن عساكر‏)‏ في التاريخ ‏(‏عن عطاء ابن أبي مسلم مرسلاً‏)‏ هو الخراساني مولى المهلب بن أبي صفرة أرسل عن مثل معاذ بن جبل‏.‏

903 - ‏(‏اذكروا الله ذكراً‏)‏ كثيراً جداً ‏(‏حتى يقول المنافقون إنكم تراءون‏)‏ بمثناة فوقية أي حتى يرميكم أهل النفاق بالرياء لما يرون من شدة محافظتكم عليه، وهذا حث شديد على لزوم الذكر سراً وجهراً ولا يرائي أحداً به، وأما ما قيل إن الشبلي قيل له متى تستريح قال إذا لم أر له ذاكراً‏.‏ فعذره أنه لا يرى ذاكراً إلا والغفلة مستولية على قلبه‏.‏ فيغار لله أن يذكر بهذا الذكر لغلبة المحبة على قلبه، ومع ذلك فهو من شطحانه التي تغفر له لصدق محبته، فلا يقتدى به فيها، إذ يلزمه أن راحته أن لا يرى لله مصلياً ولا تالياً ولا ناطقاً بالشهادتين ومعاذ الله أن يستريح لذلك قلب هذا العارف والله لا يضيع أجر ذكر اللسان المجرد بل يثيب الذاكر وإن غفل قلبه، لكن ثواب دون ثواب‏.‏ وهذا وأشباهه إذا وقع من أولئك الأجلة الأكابر إنما يصدر عنهم في حال السكر فلا يؤاخذون به كما نقل عن أبي يزيد البسطامي من نحو سبحاني وما في الجبة إلا الله‏.‏

أما النار لأستعدن لها غداً وأقول اجعلني لأهلها الفدا‏.‏ أما الجنة لعبة صبيان، وقوله هب لي هؤلاء اليهود ما هؤلاء حتى تعذبهم - إلى ذلك من شطحاتهم المعروفة فنسلم لهم حالهم معتقدين لهم ونبرأ إلى الله من كل من تعمد مخالفة الكتاب والسنة‏.‏

- ‏(‏طب عن ابن عباس‏)‏ وفيه كما قال الهيتمي وغيره الحسن بن أبي جعفر ضعيف‏.‏

‏[‏ص 457‏]‏ 904 - ‏(‏اذكروا الله ذكراً خاملاً‏)‏ بمعجمة أي منخفضاً بترقيق الجلالة ‏(‏قيل‏)‏ أي بعض الصحب ‏(‏وما الذكر الخامل‏؟‏ قال الذكر الخفي‏)‏ بمعجمة لسلامته من نحو رياء، وقد أمر الله عباده أن يذكروه على جميع أحوالهم، وإن كان ذكرهم إياه مراتب بعضها أحب إليه من بعض‏.‏ قال الزمخشري‏:‏ وأفضل الذكر ما كان بالليل لا اجتماع القلب وهدوء الرجل والخلوة بالرب‏.‏

- ‏(‏ابن المبارك في‏)‏ كتاب ‏(‏الزهد عن ضمره بن حبيب مرسلاً‏)‏ هو الزبيد، بضم الزاي الحمصي وثقه ابن معين وله شواهد كثيرة سيجيء بعضها، وعورض هذا بما قبله ونحوه من الأخبار الدالة على ندب الجهر بالذكر صريحاً أو التزاماً لحديث الحاكم عن شداد بن أوس قال إنا لعند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قال ارفعوا أيديكم فقولوا لا إله إلا الله ففعلنا، فقال اللهم إنك بعثتني بهذه الكلمة وأمرتني بهذا ووعدتني عليها الجنة إنك لاتخلف الميعاد، ثم قال أبشروا فإن الله تعالى قد غفر لكم‏.‏ وخبر البيهقي عن الأدرع قال‏:‏ انطلقت مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلة فمر برجل في المسجد يرفع صوته بالذكر، قلت‏:‏ يا رسول الله عسى أن يكون هذا مرائياً، قال ولكنه أواه وخبر ابن ماجه عن جابر أن رجلاً كان يرفع صوته بالذكر فقال رجل لو أن هذا خفض من صوته‏؟‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه أواه - وأخيب بأن الإخفاء أفضل حيث خاف الرياء أو تأذى به مصل أو نائم، والجهر أفضل في غير ذلك لأن العمل به أكثر ولأن فائدته تتعدى إلى السامع ولأنه يوقظ قلب الذاكر ويجمع همه إلى الفكر ويصرف سمعه إليه ويطرد النوم ويزيد في النشاط‏.‏ وأما قوله تعالى ‏{‏واذكر ربك في نفسك‏}‏ الآية فأجيب عنه بأن الآية مكية نزلت حين كان النبي صلى الله عليه وسلم يجهر بالقرآن فيسمعه الكفار فيسبون القرآن ومن أنزله فأمر بالترك سداً للذريعة وقد زال ذلك، وبأن الآية محمولة على الذاكر حال القراءة تعظيماً للقرآن أن ترفع عنده الأصوات وبأن الأمر في الآية خاص بالنبي الكامل المكمل والأرواح القدسية‏.‏ وأما غيره ممن هو محل الوسواس والخواطر الرديئة فمأمور بالجهر لأنه أشد تأثيراً في دفعها، وأما قوله تعالى ‏{‏ادعوا ربكم تضرعاً وخفية إنه لا يحب المعتدين‏}‏ فذلك في الدعاء لا في الذكر، والدعاء الأفضل فيه الإسرار لأنه أقرب إلى الإجابة، ولهذا قال الله تعالى ‏{‏إذ نادى ربه نداءً خفياً‏}‏ وأما ما نقل عن ابن مسعود من أنه رأى قوماً يهللون برفع الصوت في المسجد فقال ما اراكم إلا مبتدعين وأمر بإخراجهم فغير ثابت‏.‏ وبفرض ثبوته يعارضه ما في كتاب الزهد لأحمد عن شفيق بن أبي وائل قال هؤلاء الذين يزعمون أن عبد الله كان ينهى عن الذكر ما جالسته مجلساً قط إلا ذكر الله فيه، وأخرج أحمد في الزهد عن ثابت البناني‏:‏ إن أهل الذكر ليجلسون إلى ذكر الله وإن عليهم من الآثام مثل الجبال وغنهم ليقومون من ذكر الله ما عليهم منها شيء اهـ‏.‏

905 - ‏(‏إذكروا محاسن‏)‏ كمنابر ‏(‏موتاكم‏)‏ أيها المؤمنون ‏(‏وكفوا‏)‏ اصرفوا ألسنتكم وادفعوا وجهتكم ‏(‏عن مساويهم‏)‏ فإن سب المسلم غير المعلن بفسقه حرام شديد التحريم والمساوى جمع مسوى بفتح الميم والواو، وكل منهما إما مصدر ميمي نعت به ثم جمع أو اسم مكان بمعنى الأمر الذي فيه الحسن والسوء فأطلق على المنعوت به مجازاً‏:‏ يعني لا تذكروهم إلا بخير فذكر محاسنهم مندوب وذكر مساويهم حرام إلا لضرورة أو مصلحة كتحذير من بدعة أو ضلالة كما يشير إليه أخبار المصطفى صلى الله عليه وسلم بأن الثملة التي غلها مدغم تلتهب عليه ناراً‏.‏ فإنه بيان لحكم الله والتحذير من الغلول قال النووي‏:‏ قال أصحابنا وإذا رأى غاسل الميت ما يعجبه من نحو استنارة وجه وطيب ريح سن له أن يحدث الناس به، وإن رأى ما يكره كسواد وجه ونتن ريح وتغير عضو حرم عليه أن يحدث به لهذا الحديث‏.‏

قال الطيبي المأمور والمنهي بهذا الأمر إن كان من الصالحين فكما إن ذكرهم محاسن الموتى يؤثر منهم فذكرهم مساويهم ذلك فإنهم ‏[‏ص 458‏]‏ شهداء الله في الأرض، فعليه أن لا يسعى في ضرر الغير وإن كان المأمور والمنهي غيرهم فأثر النفع والضرر راجع على الغاسل فعليه أن يجتنب عما يتضرر بذكره ويتحرى ما له نفع فيه‏.‏

- ‏(‏د ت ك هق‏)‏ وكذا الطبراني كلهم ‏(‏عن ابن عمر‏)‏ بن الخطاب وفيه عمران أنس المكي قال الترمذي عن البخاري منكر الحديث وقال العقيلي لا يتابع على حديثه وقال في المهذب‏:‏ قال البخاري عمران منكر الحديث‏.‏

906 - ‏(‏أذن لي‏)‏ بالبناء للمفعول والآذن له هو الله ولولا الإذن لم يجز له التحديث، فهو تنبيه على أن من اطلعه الله على شيء من الأسرار ثم أفشاه بغير إذن عذب بالنار‏.‏ وهذا محتمل لأن يكون رآه وأن يكون أوحى إليه به ‏(‏أن أحدث أصحابي‏)‏ أو أمتي ‏(‏عن ملك‏)‏ بفتح اللام‏:‏ أي عن شأنه أو عظم خلقه ‏(‏من ملائكة الله تعالى‏)‏ قيل هو إسرافيل، أضيف إليه لمزيد التفخيم والتعظيم ‏(‏من حملة العرش‏)‏ أي من الذين يحملون عرش الرحمن الذي هو أعظم المخلوقات المحيط بجميع العوامل‏.‏

والعرش السرير ‏(‏ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه مسيرة سبع مئة سنة‏)‏ وفي رواية سبعين عاماً‏.‏ أي بالفرس الجواد كما في خبر آخر فما ظنك بطوله وعظم جثته‏؟‏ قال الطيبي‏:‏ والمراد بسبع مئة عام هنا التكثير لا التحديد، لأنه أليق بالكلام وأدعى للمقام، وقال اذن لي ليفيد أن علم الغيب مختص به تعالى لكنه يطلع منه من شاء على ما شاء‏.‏ وليس على من أطلعه أن يحدث إلا بإذنه‏.‏ وشحمة الآذن ما لان من أسفلها، وهو معلق القرط، والعاتق ما بين المنكب والعنق، وهو موضع الرداء، يذكر ويؤنث ‏(‏فإن قلت‏)‏ الملائكة أجسام نورانية، والأنوار لا توصف بالأذن والعنق ‏(‏قلت‏)‏ لا مانع من تشكل النور على هيئة الإنسان، وأن ضرب الأذن والعاتق مثلاً مقرباً للأفهام‏.‏